الشمس ساطعة والجو صاف وكل الأزقة والشوارع مملوءة بالباعة والزوار والمشترين القادمين من كل نواحي المنطقة المدينة . الكل مشغول بما يريد شراءه اقتناءه بمناسبة هذا اليوم الذي يصادف التاسع من محرم. والناس صيام يتهافتون لشراء لوازمهم والتسوق احتفالا بليلة عاشوراء وما تمثله برمزيتها وتقاليدها وبهجتها وعاداتها لدى العديد من العائلات.
هنا تباع أشكال وأنواع مختلفة للحلويات والفاكهة اليابسة ولعب الأطفال. الكل مبتهج بحلول هذا اليوم حتى خاصة الأطفال الذين ينتظرون عودة أبائهم وأذرعهم مثقلة بالهدايا من كل نوع . عقارب الساعة تشير للثانية عشرة ظهرا وأنا مازلت أنتظر. أردت أن أكون فرحة تضاف إلى مباهج هذا اليوم، لقد ضقت ذرعا بالظلام ولم يعد رحم أمي يسعني فأنا أريد الخروج .رفعت يداي ورجلاي وبدأت الركل معلنة إصراري على الخروج وإن اقتضى الأمر حربا سريرية على أمي. لم يتأخر المخاض والوجع بلغ ذروته فعلا صراخ أمي التي لم تتحمل ما هي فيه زخم ركلاتي .كان على أبي الاتجاه نحو الساحة العمومية من أجل جلب سيارة أجرة تحمل فيها أمي للمستشفى
لم يجد غيرد سيارة مملوءة بركابها فتوسلهم وشرح لهم الوضع الذي هو فيه فقبلوا التنازل مقابل حياة جديدة لمولود في هذا اليوم السعيد.... امتطينا السيارة ..فانطلقت. طال الوقت فزدت ضيقا برحم أمي . أردت الخروج حتى أتمكن من نزع حقي في الحياة وأفرح بعاشوراء ككل الأطفال وأتمكن من عيديتي من كبيري العائلة.
الزحام على أشده في الطرقات وإصراري على الخروج يتزايد أكثر فأكثر, ففهم السائق ما نحس به أنا وأمي. فأبدى كل ما يستطيع كي يسرع ويختصر الطرقات...
استقبلتني الحياة وأنا رافعة صوتي بالعويل لا أدري أكان فرحا بانتصاري وإصراري على الخروج أم خوفا مما تخبئه الحياة لي في هذا العالم الغامض. حضنني أبي برفق فهزت مسامعي كلمات آذان عذب مدوي...لا.إله إلا الله محمدا رسول الله والله اكبر....شعرت بطمأنينة في أحضانهم وأنا انتقل من يد لأخرى فأنا فرحة جاءت بعد لكوني فرحة عوضت لحزن فقدان أختي البكر.
حل المساء ومع غروب شمسه الدافئة أحسست بدفء العائلة مجتمعة حول مائدة الإفطار بعد صيام يوم التاسع من الشهر المحرم. الكل فرح ومهلل، يتهافت على اقتراح أسماء مختلفة ربما تكون إحداها الاسم المميز ...منهم من اختار سعاد اسما كأختها المرحومة ..ومنهم من اقترح حنان لتكون إشراقة للحب والحنان ...ومنهم من أصر على إسم زكية تزامنا مع شهر الزكاة....وما أن نطق الإسم..... أمونة.... حتى دوت الزغاريد تدوي في البيت معلنة بقدومي إلى الحي والجيران ...الكل دعا أن أكون أمنا لهذه العائلة.. راجين أن أكون اسما على مسمى.
ليلة مشرقة امتزجت فيها فرحة استقبال مولودة جديدة باحتفالات عاشوراء ونسيم صيف دافئ يزيدها ابتهاجا ورونقا ساحرا في انتظار إشراق يوم جديد يتميز بطقوس وعادات خاصة. فمع إطلالة الصباح دبت الحركة بالبيت استعداد لاستقبال الزوار الوافدين من ضواحي المدينة، وإعداد ما يلزم من حلويات ومأكولات احتفاء بالضيفة الجديدة. كبار العائلة دأبوا على عادات وطقوس أضحت عرفا لدى الكثير من العائلات...استيقاظ باكر لتوزيع أنيات أواني مملوءة بالماء صدقة ورحمة على أرواح المتوفين من العائلة وهي اختصاص نسوي... أما الرجال فيخرجون الزكاة للفقراء واليتامى ..أما والأمهات فيحرصن على تزيين بناتهن بالملابس التقليدية ...وتكحيل عيونهن وقص شعورهن... ليزداد طولا تيمنا بهذا الشهر الكريم أول شهر في السنة الهجرية بعد اكتمال الحول .